## وصيتك الأخيرة: اكتب نعيك بنفسك
كم مرة فكرت في ما
سيقوله الآخرون عنك بعد رحيلك؟ هل تخيلت كلماتهم الرقيقة أو اللاذعة، هل تصوّرت
كيف ستُروى قصتك بعد أن تغيب عن مسرح الحياة؟
هل ستُنصف حقّك، أم ستُغفل إنجازاتك، وتُنسى تضحياتك؟ ربما حان الوقت لتأخذ زمام المبادرة، لتكتب
نعيك بنفسك، لتكون أنت صانع قصتك النهائية.
## وصيتك الأخيرة: اكتب نعيك بنفسك |
تخيل نفسك في لحظة
وداع، حين يقف أصدقاؤك وأحبّائك حول قبرك،
يقرأون كلمات رثاءٍ كتبتها أيدي غير أيديهم.
هل ترضى بما سيقولونه؟ أم تودّ أن تُعبّر بنفسك، بصوتك الخاص، عن رحلتك في
الحياة، عن ما حققت، وما فاتك، عن ما أسعدك، وما ألَمّ بك؟
الفكرة قد تبدو غريبة
حتى مُخيفة للبعض. فمناقشة الموت ومواجهة
النهاية أمرٌ يُثير القلق والخوف. لكنّ
تأملها بعينٍ مُختلفة يكشف عن عمقٍ فلسفيّ، وفرصةٍ ثمينةٍ للتأمل والانطلاق نحو
حياةٍ أكثر وعيًا وهدفًا.
- فكّر في المصريّ القديم، كيف حرص على تسجيل أعماله الصالحة
- وتبرّؤه من أعماله السيئة، مُعدًّا كشف حسابٍ دقيقًا عن حياته قبل أن يُفارق الحياة.
- ألم يكن هذا بمثابة وصيّةٍ أخلاقيةٍ
- رسالةٍ تُخلّد ذكرى الإنسان وتُحدّد مكانته في تاريخه الخاص؟
- فهل نحن اليوم أقلّ حرصًا على رسم صورةٍ واضحةٍ عن أنفسنا؟
- هل نكتفي بترك الآخرين يحدّدون هويتنا ومكاننا في ذاكرتهم؟
النعى، في جوهره، ليس مجرد سطورٍ
تُقرأ في مناسبةٍ حزينة. بل هو
وثيقةٌ تاريخيةٌ، شهادةٌ على حياةٍ مُنجزة، أو حياةٍ تُحاول الوصول إلى مُنجزاتها،
سواءً أكانت حياةً عادية أم حياةً استثنائية.
وقد تطوّر النعى عبر العصور، مُنتقلًا من النقوش الهيروغليفية إلى الأعمدة
الصحفية، ومن الكلمات المُقتضبة إلى المقالات المُفصلة، ثم إلى صفحات التواصل الاجتماعي التي تُعيد
تعريف ماهية النعى وشكله.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي
- عادت كتابة النعي لتُحظى بشعبيةٍ كبيرة
- لكنّها غالباً ما تكون مُختصرةً
- مُركزّةً على المشاعر الحزينة أكثر من كونها سيرةً ذاتية.
- فهل نُضيف صوتًا جديدًا لهذا الجدل، صوتًا يُدافع عن ضرورة كتابة النعي قبل رحيلنا؟
كتابة نعيك الخاص، ليست دعوةً إلى التشاؤم
بل هي دعوةٌ إلى التأمل والوعي الذاتي. هي فرصةٌ ثمينةٌ
لمراجعة مسيرتك، لتقييم إنجازاتك ونجاحاتك،
وللاستغفار عن أخطائك وزلّاتك. هي
فرصةٌ لتقديم اعتذاراتٍ صادقةٍ لمن أسأتَ إليهم،
ولإصلاح ما أمكن إصلاحه قبل فوات الأوان.
- تخيّل نفسك جالسًا مع نفسك، في لحظة هدوءٍ وسكون
- تستعرض مراحِل حياتك، تُعيد قراءة صفحاتها
- تحاول فهم معانيها، وتُحدّد أهمّ محطاتها.
- ما هي القيم التي آمنتَ بها؟ ما هي المبادئ التي التزمتَ بها؟
- ما هي الأعمال التي تُشعرُك بالفخر؟ وما هي الأشياء التي تتمنى لو فعلتَها بشكلٍ مختلف؟
لا تنتظر أن يكتب الآخرون قصّتك
اكتبها بنفسك. لا تترك لهم مهمّة تعريفك، حدّد هويتك بنفسك. لا تسمح لهم بتشويه صورتك، رسمها بألوانٍ تُرضيك. اكتبها كلماتك، بأسلوبك،
بعباراتك. اكتبها لتُنصف
نفسك، ولترضي ضميرك، ولترسم لنفسك
صورةً خالدةً في ذاكرة الأجيال.
- قد يكون من المفيد أن تُقسّم نعيك إلى أقسام
- تبدأ بمعلوماتٍ شخصيةٍ أساسية، ثمّ تُضيف تفاصيلَ عن دراستك
- وعملك، وعائلتك، وإنجازاتك. لا تتردد في ذكر هواياتك
- وسفرك، والتجارب التي شكّلت شخصيتك.
- عبّر عن قناعاتك، مُؤمنًا أو مُشكّكًا، متفائلًا أو متشائمًا.
- لا تخشَ من إظهار مشاعرك، فرحك وحزنك، أحلامك وخيباتك.
- فهذه هي أنت، بكلّ ما فيها من جمالٍ وقبح، من نجاحٍ وإخفاق.
وحتى تتخطى خوفك من
المواجهة الصريحة، يمكنك البدء بكتابة "مسودة" أو "مذكرة شخصية"، ثمّ تُعيد قراءتها وتُعدّلها حتى تصل إلى الشكل
النهائي الذي يُرضيك. بعد ذلك، يمكنك حفظها في مكانٍ آمن، أو مشاركتها مع من تثق بهم، أو حتى نشرها في مكانٍ عام، لتكون شاهدًا على رحلتك وتراثك.
الختام
أخيرًا، لا تُطلق على ما تكتبه اسم "نعيك" إذا كنتَ تشعر بالحرج من ذلك. تستطيع أن تُطلق عليه اسمًا آخر، مثل "وصيتك الأخيرة"، أو "كشف حساب حياتي"، أو "رحلة العمر". فالمهمّ ليس الاسم، بل المحتوى.
المهمّ هو أن تُخلف وراءك أثرًا يُذكر بك،
يُخلّد اسمك، ويُلهم الآخرين. فأنت تستحق أن تُروى قصتك بصدق، بإخلاص،
وبطريقة تُرضي ضميرك. اكتب نعيك
بنفسك، واجعل من رحيلك بدايةً لرحلةٍ
جديدة، رحلةٍ خالدةٍ في ذاكرة من عرفوك
وحبوك.